موعد مع النفس (قصة قصيرة)
أنهار تسير من بين السحب, بحور واسعة لا نهاية لها تحيط بكل ما حولها, ابراج مشيدة فى اخرها قباباً ذهبية تجوبها سحب ليست كمثل ما يرها البشر عند النظر إلى السماء، إنما هى كبيرة واسعة بيضاء ناصعة لا يشوبها شعرة سوداء.رجل قادم يسير ببطىء، يبدو عليه علامات التعب ، أبيض الشعر وصل إلى آخر درجات الشيب، يبدو كأنه قد إلتحم مع شيخوخته واصبح كهل غير فتى، إذا نظرت الى وجهه شعرت بكأبة شديدة و ضيق مرير كأن طاعون قد انقد على مدينة فقتل شعبها, شعره ابيض مع وجود خصل سوداء داكنة تبدو كأنها من يقايا صبغة للشعر...حواجبه بيضاء كثيفة كأنها تشكل حملاً على العين التى تبدو متعبه من السواد الموجود اسفلها, لا تعبر ملامحه البغيضة عن ملابسه فهو على رغم من مظهره الكئيب إلا انه يرتدى زياً رياضياً ابيض اللون ماركة اديداس ويبدو فى هذا زى كأنه مديراً فنياً لريال مدريد!يشعر الرجل بالخوف والذهول من هذا المكان الذى لم يراه من قبل ولا يعرف كيف اتى إلى هذا المكان إلا انه يحاول ان يتمالك نفسه ويظهر على عادته التى دامت لثلاثون عاماً واثقاً من نفسه متعالياً لا يرهبه شىء و يظن نفسه إله لا يقدر عليه احد و لكن سرعان ما يتناسى خوفه وصدمته من المكان عندما يرى طفلاً صغيراً يجلس على صخرة كبيرة لامعة يلعب بمركب صغيرة على ضفاف احد الانهار، فيتحرك الرجل مهرولاً يكاد يسقط فى اتجاه الطفل, عندما يصل الرجل يصاب بحالة ذهول كأنه رأى عفريت، يحاول ان ينطق بكلمة لكنه يتلعثم ويفقد النطق لثانية ثم يحاول ثانيتاً وفى صعوبة شديدة يقول "مممحمد !!".طفل جميل لم يبلغ من العمر العشر أعوام فى وجهه نورأً يشرح القلوب وضحكة تفرج الهموم، يجلس محمد على صخرة بقرب النهر منشغلاً بقيادة سفينته الصغيرة التى يحاول إنقاذها من أمواج النهر الخطيرة, ينظر محمد إلى الصوت القادم مبتسماً وسعيداً و يرفع يده مهللاً: ازيك يا جدو.يجرى الرجل فى اتجاه الطفل محتضن إياه بشدة وقد ارتسمت السعادة على وجهه كأن هموم الدنيا قد انفرجت كلها وسقطت من على قلبه : محمد يا حبيبى انت كويس؟ وحشتنى, مبسوط؟يبتسم محمد وهو يضع يده على رأسه: انا زى الفل يا جدو عندى صحاب كتير بلعب معهم كل يوم والناس كلها هنا طيبين وبيحبوا بعض.- الحمد الله انا اتمنت عليك.- انا بس يا جدو عايز احكيلك حكاية بقلنا فترة قعدين فيها وشغلا بالى، فى يوم من الأيام صحابي نادولي وقالولي تعالي بسرعة يا محمد في ناس من بلدك دخلو الجنة و شهداء كمان جريت بسرعه معاهم اشوف الشهداء اللي من بلدي واسلم عليهم قلت لصحابي وانا فرحان، عارفين دا اكيد جدو بيقود مصر في حرب ضد إسرائيل و زمانه دلوقتى فى القدس بعد محرر فلسطين...لقيت واحد الناس كلها بتسلم عليه, اسمه خالد سعيد يا جدو.
- رد الجد فى ضيق شديد عارفه ده
الواد الحشاش اللى بسببه البلد خربت.اكمل محمد القصة غير مكترث بما
يقوله الجد : روحت يا جدو اقعد معهم عشان يحكولى عنك و عن بطولاتك سألتهم أنتم
بتحاربوا مين إسرائيل ولا ناس تانين, محدش رد عليه، سألت تانى انتو استشهدتوا
ازاى؟ وفى انهى معركة؟ جالى واحد لابس بدلة عريس و على وشه ضحكة عمرى مشوفت زيها
يا جدو قبل كده اسمه احمد إيهاب...قالى احنا موتنا برصاص مصريين زينا,اللى بحرسوا
جدك هما اللى قتلونا!- رد الجد فى انفعال شديد: ايوه
دول ارهابين عايزين يخربوا البلد نسيوا انجازاتى للبلد والامن اللى كنت معيشهم فيه
ادينى سبتهلهم وهم خربوها والبلد بضيع عشان يعرفوا قيمتى كويس.قام محمد برفع يده مشاوراً: شايف
الناس دول يا جدو, نظر الجد ممتعضاً إذا به يرى مجموعة كبيرة من الناس ترتدى ملابس
الإحرام و على وجوههم نور لا يحمله سوى المؤمنون , نظر الجد الى الحفيد: مين دول
يا محمد؟- دول ضحايا العبارة اللى قاعدوا بساعات
فى الميه عشان حد ينقذهم و حضرتك كنت فى الإستاد بتتفرج على ماتش مصر و ليبيا و
لما ماتوا اهليهم طلبوا بالقصاص بس للأسف سبتوا المجرم يهرب, حضرتك لو اتمشيت شوية
هتلاقى ناس ماتت عشان كان نفسها تجيب ب 2
جنية عيش و ناس تانية ماتت عشان كانت مستنية التأمين الصحى يصرفلها دوا و ناس كان
نفسهم فى انبوبة غاز و ناس.....- كفاية با بنى رد الجد مقاطعاً ,
انا خدمت البلد دى بكل الطرق و مش غلطة او اتنين هما اللى خالوا الناس تعمل ثورة ضدى
انا عمرى ما اتكلمت على نفسى.-ا سمك اللى كان فى كل مكان و على
كل مبنى جديد و نفاق الناس اللى حوليك اللى انت سبته و صورة حضرتك اللى كانت
بتتعلق اجبارى ورا كل مسئول كل ده كان غلطة خلت الناس تكرهك.بدت علامات الحزن تظهر على الجد و
لكن سرعان ما تمالك نفسه: طب يالا يا محمد نمشى من هنا بسرعة.يظهر رجلان يبدو عليهم علامات
العزة و الفخر احد هذان الرجلان يبدو كبيراً و لكن ليس بسن إنما بما يحمله من علم،
يرتدى نظارة وعلى وجهه ابتسامة رضا وصفاء
يشعرك بأنه رجلاً ذو قيمة , اما الرجل الاخر فهو طويل القامة عريض الجسم يبدو على ملامحه
الجدية و الصرامة، يرتدى بدلة عسكرية فى
منتهى الأناقة، مزينة بنياشين فى كل مكان بدأ
الرجلان يسيرا فى اتجاه الجد و الحفيد.نظر الطفل الى جده : عايز اعرفك
بالاتنين دول يا جدو هما جايين مخصوص لحضرتك رفع محمد اصبعه فى اتجاه الرجل المفكر:
ده الدكتور عبد الوهاب المسيرى، فقاطعه الجد : عارفه بتاع حركة كفاية ثم اشار
الطفل الى رجل ذو البدلة العسكرية و ده بقى...قاطعه الجد مرة اخرى: عارفه سعد
الدين الشاذلى رئيس الاركان المسلحة فى حرب اكتوبر.التفت الجد فى غضب للحفيد : ودول عايزين
منى ايه و جاين لى انا ليه-دول جايين ياخدوا حضرتك لمكانك
الجديد اصلهم ملحقوش الثورة فحبوا انهم بنفسهم يخدوك لمكانكبدأ يشعر الجد باختناق شديد و عاد
مرة اخرى الى عدم قدرته على النطق بدأ الرجلان بجذب الجد و هو يحاول ان يقاوم و
لكنه لا يستطيع فقد خرت قواه واصبح عاجزاً تماماً، استمر الرجلان فى جره إتجاه باب عظيم الحجم شديد السواد كلما اقتربت
منه شعرت بوحشة الموقف حيث تتمازج مشاعر الخوف و الريبة و تتزايد كلما اقترب يحاول الجد الصراخ لكنه يفشل‘ يحاول
مرة اخرى لكن احباله الصوتية عاجزة عن اصدار الاصوات، استسلم الجسد تماماً و قرر
ان ينتظر مصيره الموجود خلف الباب.استيقذ من نومه فى فزع، جسده
الضعيف من كبر السن يغرق عرقاً تكاد رئاتيه ان ينفجراه من سرعة تنفسه، ينظر حوله
متفقداً جوانب الغرفة حيث الاضاءة الخافتة وصوت رنين جهاز القلب و خراطيم المحاليل
المغروزة فى انحاء جسمه , يرفع رأسه لعدة ثوان ليطمئن قلبه بأن كل ما حدث كان
بمجرد كابوس عابر، فيبتسم ابتسامة بلهاء ثم يعود مرة اخرى مستكملاً نومة فى ثبات
عميق. (تمت)
أنهار تسير من بين السحب, بحور واسعة لا نهاية لها تحيط بكل ما حولها, ابراج مشيدة فى اخرها قباباً ذهبية تجوبها سحب ليست كمثل ما يرها البشر عند النظر إلى السماء، إنما هى كبيرة واسعة بيضاء ناصعة لا يشوبها شعرة سوداء.رجل قادم يسير ببطىء، يبدو عليه علامات التعب ، أبيض الشعر وصل إلى آخر درجات الشيب، يبدو كأنه قد إلتحم مع شيخوخته واصبح كهل غير فتى، إذا نظرت الى وجهه شعرت بكأبة شديدة و ضيق مرير كأن طاعون قد انقد على مدينة فقتل شعبها, شعره ابيض مع وجود خصل سوداء داكنة تبدو كأنها من يقايا صبغة للشعر...حواجبه بيضاء كثيفة كأنها تشكل حملاً على العين التى تبدو متعبه من السواد الموجود اسفلها, لا تعبر ملامحه البغيضة عن ملابسه فهو على رغم من مظهره الكئيب إلا انه يرتدى زياً رياضياً ابيض اللون ماركة اديداس ويبدو فى هذا زى كأنه مديراً فنياً لريال مدريد!يشعر الرجل بالخوف والذهول من هذا المكان الذى لم يراه من قبل ولا يعرف كيف اتى إلى هذا المكان إلا انه يحاول ان يتمالك نفسه ويظهر على عادته التى دامت لثلاثون عاماً واثقاً من نفسه متعالياً لا يرهبه شىء و يظن نفسه إله لا يقدر عليه احد و لكن سرعان ما يتناسى خوفه وصدمته من المكان عندما يرى طفلاً صغيراً يجلس على صخرة كبيرة لامعة يلعب بمركب صغيرة على ضفاف احد الانهار، فيتحرك الرجل مهرولاً يكاد يسقط فى اتجاه الطفل, عندما يصل الرجل يصاب بحالة ذهول كأنه رأى عفريت، يحاول ان ينطق بكلمة لكنه يتلعثم ويفقد النطق لثانية ثم يحاول ثانيتاً وفى صعوبة شديدة يقول "مممحمد !!".طفل جميل لم يبلغ من العمر العشر أعوام فى وجهه نورأً يشرح القلوب وضحكة تفرج الهموم، يجلس محمد على صخرة بقرب النهر منشغلاً بقيادة سفينته الصغيرة التى يحاول إنقاذها من أمواج النهر الخطيرة, ينظر محمد إلى الصوت القادم مبتسماً وسعيداً و يرفع يده مهللاً: ازيك يا جدو.يجرى الرجل فى اتجاه الطفل محتضن إياه بشدة وقد ارتسمت السعادة على وجهه كأن هموم الدنيا قد انفرجت كلها وسقطت من على قلبه : محمد يا حبيبى انت كويس؟ وحشتنى, مبسوط؟يبتسم محمد وهو يضع يده على رأسه: انا زى الفل يا جدو عندى صحاب كتير بلعب معهم كل يوم والناس كلها هنا طيبين وبيحبوا بعض.- الحمد الله انا اتمنت عليك.- انا بس يا جدو عايز احكيلك حكاية بقلنا فترة قعدين فيها وشغلا بالى، فى يوم من الأيام صحابي نادولي وقالولي تعالي بسرعة يا محمد في ناس من بلدك دخلو الجنة و شهداء كمان جريت بسرعه معاهم اشوف الشهداء اللي من بلدي واسلم عليهم قلت لصحابي وانا فرحان، عارفين دا اكيد جدو بيقود مصر في حرب ضد إسرائيل و زمانه دلوقتى فى القدس بعد محرر فلسطين...لقيت واحد الناس كلها بتسلم عليه, اسمه خالد سعيد يا جدو.