Saturday, July 28, 2012

الصراع (الجزء الاول.)


الصراع (الجزء الاول)

فى غرفة واسعة فى منتصفها كرسى عملاق احمر اللون يجلس عليه رجل اجتاز منتصف العمر, هو ليس بالعجوز و لكن الشيب الذى اجتاح جسده و تجاعيد وجهه تجعله يبدو كأن حياة هذا الرجل على وشك النهاية , هو طويل القامة عريض الهيئة يبدو من جسده انه رياضى قديم مفتول العضلات الا ان مظهره البائس يخفى صحته النابعة من جسمه الرياضى.
يرتدى ذلك الرجل ملابس ذات ماركة عالمية تدل على اناقته فهو يرتدى قميصا ابيض و بلوفر اسود بخطوط حمراء عريضة و يظهر اناقته الشديدة من حذاءه الجلدى الكلارك , يبدو من مظهر يديه و وجهه انه متأنق يهتم بمظهره و نظافته
مازال الرجل يجلس على كرسيه الاحمر لا يعلم إذا كان فى علم ام حلم و لا يصدق نفسه كيف انه اتى الى هذا المكان يجادل الرجل نفسه ,عقله لا يتوقف عن التفكير افكار تظهر و تخفو داخل عقله,  هل عليه الرحيل ام ان القدر اتى به الى هذا المكان , هل هذا القرار صحيح ام لا ؟ من قلب هذه المجادلة التى اصابت الرجل بتعب يسمع صدى صوت من بعيد يتكرر اكثر من مرة " سامح باشا....سامح باشا" يترك رجل جداله و يعود الى الواقع ملتفتاً الى الصوت القادم من بعيد فيرى رجلاً لا تظهر ملامحه يرفع يده فى اتجاه باب كبير بنى اللون يبدو عليه القدم كأنه باب لقلعة  قائلاً "اتفضل حضرتك"!
كانت هذه الكلامات البسطية هى الشعلة التى اشعلت الفتيل فقد اصابته صاعقة من الخوف و الريبة فهو ينظر الى الباب بتمعن شديد, افكاراً كثيرة تأتى داخل عقله, الخوف امتلك قلبه, فربما هذا الباب يحتوى على جراثيم مميته ! ترى من فتح هذا الباب قبلى؟ اصابته امراض او تدهورت حالته ؟او ربما هو فى حد ذاته مريض و قد نشر جراثيم مرضه اللئيم على حواف الباب.
 يحاول الرجل ان يتمالك نفسه وان ينهض متجهاً الى باب و لكنه لا يستطيع ركبتيه لا تتحركان كأنه يحمل اطناناً من الحديد , اصبح الرجل فى صراع شديد فهو يقول لنفسه كيف لى و انا رياضى قديم ان يصل بى الحال ان اعجز عن النهوض بهذه الكلمات  استجمع قواه , بدأت رجليه تتحرك و كأن ازيح حجر ثقيل فجأة , ينهض سامح و يتجه الى الباب فيصل اليه يرفع معصمه ليفتح الباب فيصاب بصاعقة من جديد و لكنها اشد هذه المرة تتوقف يده تماماً عن الحركة بل يشعر من داخله ان الحياة توقفت للحظات , بدأت جبهة رأسه تصاب بالعرق و يشعر برعشة خافته, قلبه يخفق بشدة, عقله لا يتوقف عن افراز الافكار المختلفة حتى اصبح يتحدث مع نفسه متسألاً ماذا يمنعنى عن الدخول ؟ فيجد صوتاً من داخله يرد الا ترى خطورة الدخول و فتح هذا الباب الا تعلم ماذا ممكن ان يحدث ان فتحت هذا الباب ؟ فكم من امراض يمكن ان تصيبك ؟ كم يد من قبلك قد وضعت يداها على مقبض هذا الباب و الى اين انتهى بهم الحال؟ الا ترى اين انت ؟ الا تعلم خطورة ما يمكن ان يحدث اليك ؟ّ!
صراع مستمر لا يتوقف , صداعاً اصاب رأسه افكاراً كثيرة تزاحمت فى عقله حتى يكاد يشعر ان انفجاراً نووياً سيخرج من قلب دماغه , فجأة توقف كل شىء توقف عقله و اصبح مغيباً فقد استسلم لصراعه و انتصرت افكاره عليه اصبح اسيراً لها يأتمر بأمرها , هكذا هو يقرر انه لن يفتح الباب لا يريد ان يرى ما هو خلفه لن يضع يده على المقبض و يعرض حياته للخطر , بدأ يهم بالرحيل يعطى ظهره الى هذا الباب اللعين و لكن يقف فجأة و قد سمع الباب يفتح و نوراً قد اتى من خلفه و صوتاً يرن فى اذنه "رايح فين يا سامح...هو دخول الحمام زى خروجه"!  (البقية فى الجزء الثانى) 

محمود زكى
24-7-2012 

Tuesday, July 3, 2012

حورية من الشرق


حورية من الشرق
 يحمل كوباً من الشاى، تخرج منه الألهبة الحارة، يجلس فى بلكونته على نفس كرسيه البلاستيك ماركة الهلال و نجمة  مثل كل صباح، ينظر إلى أمواج البحر العاتية و رمال الشاطىء الخائفة فهو يرى كل اليوم ذلك الصراع ما بين الرمال و البحور، ففى كل يوم تحاول الرمال جاهدتاً ان تنجو بحبات رملها من طغيان المياة الذى لا يرحم من امامه مبتلعاً كل ما يصادفه غير مكترثاً فى بروداً شديد.
ولكن اليوم هناك شىء جديد ليس كما اعتاد فى كل يوم من صراع، إنما اليوم هناك أفراح ، امواج تعلو و تخفو تتمايل وتتراقص كأنها تحتفى بشىء، الشمس ساطعة فى قلب السماء تعكس اشعاتها على البحر كأنها مرأه ترسم لوحة بديعة تتمازج فيها الألوان جميعاً فى لوحة لو اجتمع رسماء العالم جميعاً ما اخرجوا مثلها, ولكن اليس اليوم بغريب؟ هل اليوم عيد؟ هل مسك الاخوان منصب جديد؟ هل جاء مصر خيراً عتيد؟ ما حكاية هذا اليوم الفريد؟
يجرى الشاب مسرعاً يفتح اجندته, يفتح صفحة الأعياد، لا يوجد عيد اليوم ثم يقلب باحثاً فى تاريخ هذا اليوم فلم يجد اى فريد يجعل من هذا اليوم سعيد, يعود مرة اخر ماسكاً الكوب الساخن، جالساً على كرسى الفوتى المريح يفكر فى حل هذا اللغز المحير، ينتفض عقله فجأة يتساقط كوب الشاى, يبقى ساكتأ فى ذهول لثوان ثم يقول اليوم هو مولدها كيف لى ان لا اعرف ذلك ! فهو اليوم الذى نزل فيه ملك من السماء ليعيش على الارض.
بدأ قلبه ينتفض بشدة , احمر وجهه و تسارعت أنفاسه كأن شحنة كهربائية انتابته فجأة, اعاد رأسه للوراء متخيلاً اول مرة وقع نظره عليها فقد علم وقتها انها ليست بإنسانه عادية فلا يمكن لهذا الوجه ان يكون من أه الأرض و لا يمكن لهذه الملامح ان تكون بشرية فعينها الواسعة تشبه حباتان من الماس يتلقلقان, إذا ذهبت بنظرك داخلهما وجدت نفسك تأهاً فى بحوراً عاتية و كأنك خرجت الى مكان لا يشبه الارض فى شىء, إن لعينها بريقاً يخترق حُجب الخيال بأشعته تارة، ويتلقى إيحاءات الخلود المنتظرة تارة أخرى. فهو لم ينسى يوماً الحكمة الشكسبيرية المعروفة "ان العين الجميلة بحق هى التى تجذبك إليها فتحبها دون ان تعرف لونها" فهو تعلم كثيراً من هذه الحكمة ان العين ليست بلونها إنما بجمال شكلها.
ولكن إن كان هذا حديث الأعين فماذا عن البقية، فخصلات شعرها القليلة المتساقطة من اسفل الحجاب خصلاتاً ذهبية و ملامح وجهها ينظر اليها المرء على انها معجزة ربانية  ولكن كل ذلك شىء وان تحدثنا عن ابتسامتها و جمال ضحكتها شىء اخر، فهذا يحتاج الى كتب و درسات علمية! فلم يرى صاحبنا من قبل مثل ابتسامتها فعلى رغم من تعامله مع بنات كثيرة و قد عرف من البنات ما يكفى إلا انه لم يرى ابتسامة كمثلها من قبل فهى حقاً ظاهرة، ابتسامة تأخذك الى كون اخر، فعندما ترتسم الابتسامة على وجهها يدب الروح فى كل ما حولها تتغير معانى الحياه للحظات، تنتشر البهجة فى نسيم الهواء، تتحول الدنيا الى جنة خالدة، فكيف بعد ذلك لا تكون ظاهرة !
ينتفض الشاب من مكانه متجهاً الى المطبخ لصناعة كوباً اخر من الشاى، يضع البراد على النار و يجذب كرسى امامه، يجلس مرة اخرى واضعاً يده على ذقنه سارحاً فى خياله مرة اخرى ولكن هذه المرة تذكر يوم ما تحدث إليها و رن صوتها الخافت فى اذنه اول مرة فلا يمكن لهذه الذبذابات ان تخرج من احبال صوتية بشرية إنما فى الغالب هى اوتار لألة موسيقية بديعة , لم ينسى دوماً حنيتها , طيبتها , تضحيتها, حبها فى اسعاد من حولهاو وقوفها بجواره فى كل المحن، لم ينسى فضلها على ما هو عليه, فكيف ان ينسى اخلاقاً فقدتها البشرية, حتى فى غضبها لم تفقد شىء من جمالها.
تزداد السخونة شىءً فشىءً، اصوات تعلو و تخفو رائحة كريها تملىء المكان, سرعان ما عاد من خياله ليجد البراد قد سقط و اطفئت نار البوتجاز بعدما انصهر البراد الزجاجى و ملىء المكان بالدخان,اطفأ البوتجاز نظر الى ساعته فقد تأخر على عمله فسرعان ما ارتدى ملابسه متجهاً الى عمله و لا تزال هذه الفتاه لا تغادر خياله ربما لانها محفورة فى قلبه، فإنها حورية..حورية من الشرق.

محمود زكى
3-7-2012