حورية من الشرق
يحمل كوباً من الشاى، تخرج منه الألهبة الحارة،
يجلس فى بلكونته على نفس كرسيه البلاستيك ماركة الهلال و نجمة مثل كل صباح، ينظر إلى أمواج البحر العاتية و
رمال الشاطىء الخائفة فهو يرى كل اليوم ذلك الصراع ما بين الرمال و البحور، ففى كل
يوم تحاول الرمال جاهدتاً ان تنجو بحبات رملها من طغيان المياة الذى لا يرحم من
امامه مبتلعاً كل ما يصادفه غير مكترثاً فى بروداً شديد.
ولكن
اليوم هناك شىء جديد ليس كما اعتاد فى كل يوم من صراع، إنما اليوم هناك أفراح ،
امواج تعلو و تخفو تتمايل وتتراقص كأنها تحتفى بشىء، الشمس ساطعة فى قلب السماء
تعكس اشعاتها على البحر كأنها مرأه ترسم لوحة بديعة تتمازج فيها الألوان جميعاً فى
لوحة لو اجتمع رسماء العالم جميعاً ما اخرجوا مثلها, ولكن اليس اليوم بغريب؟ هل اليوم
عيد؟ هل مسك الاخوان منصب جديد؟ هل جاء مصر خيراً عتيد؟ ما حكاية هذا اليوم
الفريد؟
يجرى
الشاب مسرعاً يفتح اجندته, يفتح صفحة الأعياد، لا يوجد عيد اليوم ثم يقلب باحثاً
فى تاريخ هذا اليوم فلم يجد اى فريد يجعل من هذا اليوم سعيد, يعود مرة اخر ماسكاً
الكوب الساخن، جالساً على كرسى الفوتى المريح يفكر فى حل هذا اللغز المحير، ينتفض
عقله فجأة يتساقط كوب الشاى, يبقى ساكتأ فى ذهول لثوان ثم يقول اليوم هو مولدها
كيف لى ان لا اعرف ذلك ! فهو اليوم الذى نزل فيه ملك من السماء ليعيش على الارض.
بدأ قلبه
ينتفض بشدة , احمر وجهه و تسارعت أنفاسه كأن شحنة كهربائية انتابته فجأة, اعاد
رأسه للوراء متخيلاً اول مرة وقع نظره عليها فقد علم وقتها انها ليست بإنسانه
عادية فلا يمكن لهذا الوجه ان يكون من أه الأرض و لا يمكن لهذه الملامح ان تكون
بشرية فعينها الواسعة تشبه حباتان من الماس يتلقلقان, إذا ذهبت بنظرك داخلهما وجدت
نفسك تأهاً فى بحوراً عاتية و كأنك خرجت الى مكان لا يشبه الارض فى شىء, إن لعينها بريقاً يخترق حُجب الخيال
بأشعته تارة، ويتلقى إيحاءات الخلود المنتظرة تارة أخرى. فهو لم ينسى يوماً الحكمة الشكسبيرية المعروفة "ان
العين الجميلة بحق هى التى تجذبك إليها فتحبها دون ان تعرف لونها" فهو تعلم
كثيراً من هذه الحكمة ان العين ليست بلونها إنما بجمال شكلها.
ولكن إن
كان هذا حديث الأعين فماذا عن البقية، فخصلات شعرها القليلة المتساقطة من اسفل
الحجاب خصلاتاً ذهبية و ملامح وجهها ينظر اليها المرء على انها معجزة ربانية ولكن كل ذلك شىء وان تحدثنا عن ابتسامتها و جمال
ضحكتها شىء اخر، فهذا يحتاج الى كتب و درسات علمية! فلم يرى صاحبنا من قبل مثل
ابتسامتها فعلى رغم من تعامله مع بنات كثيرة و قد عرف من البنات ما يكفى إلا انه
لم يرى ابتسامة كمثلها من قبل فهى حقاً ظاهرة، ابتسامة تأخذك الى كون اخر، فعندما
ترتسم الابتسامة على وجهها يدب الروح فى كل ما حولها تتغير معانى الحياه للحظات،
تنتشر البهجة فى نسيم الهواء، تتحول الدنيا الى جنة خالدة، فكيف بعد ذلك لا تكون
ظاهرة !
ينتفض
الشاب من مكانه متجهاً الى المطبخ لصناعة كوباً اخر من الشاى، يضع البراد على النار
و يجذب كرسى امامه، يجلس مرة اخرى واضعاً يده على ذقنه سارحاً فى خياله مرة اخرى
ولكن هذه المرة تذكر يوم ما تحدث إليها و رن صوتها الخافت فى اذنه اول مرة فلا
يمكن لهذه الذبذابات ان تخرج من احبال صوتية بشرية إنما فى الغالب هى اوتار لألة
موسيقية بديعة , لم ينسى دوماً حنيتها , طيبتها , تضحيتها, حبها فى اسعاد من
حولهاو وقوفها بجواره فى كل المحن، لم ينسى فضلها على ما هو عليه, فكيف ان ينسى
اخلاقاً فقدتها البشرية, حتى فى غضبها لم تفقد شىء من جمالها.
تزداد
السخونة شىءً فشىءً، اصوات تعلو و تخفو رائحة كريها تملىء المكان, سرعان ما عاد من
خياله ليجد البراد قد سقط و اطفئت نار البوتجاز بعدما انصهر البراد الزجاجى و ملىء
المكان بالدخان,اطفأ البوتجاز نظر الى ساعته فقد تأخر على عمله فسرعان ما ارتدى
ملابسه متجهاً الى عمله و لا تزال هذه الفتاه لا تغادر خياله ربما لانها محفورة فى
قلبه، فإنها حورية..حورية من الشرق.
محمود زكى
3-7-2012
speechless !
ReplyDeleteاين النهاية لابد من جزء الاخر ؟ اين ذهبت هذه الحورية؟؟؟
ReplyDelete7elwa awy ya 7ooda :)
ReplyDeleteكم من الرائع ان نرى شباب يعيد للادب مكانه من جديد
ReplyDelete