Wednesday, October 23, 2013

A7A



A7A

عزيزي القارئ لقد ترددت كثيرا في كتابة هذا المقال ولهذا قررت ان ابدأ كلامي لك برساله : " قبل ان تقرأ هذه المقالة، إذا كنت تخاف ان يخدش حيائك او تكره الحديث فى كلام يظنه الناس اباحه او انك من الذين يرون الإنسان المحترم هو من يتجنب الإباحية وانك من رواد معا ضد الكلام العيب ، فأرجوك توقف عن القراءة فورا، فأنا احبك ولا احب ان اخدش حيائك او تظن انى كاتب مش تمام و العياذ بالله.

بدأت قصه هذا المقال عندما جاء طفل صغير فى الخامسة من عمره، بدي عليه انه يريد أن يلقي خطابا يلح عليه لكن هناك من شئ داخله يقف حاجزا يمنعه من القول ، سألنى سؤال عجيب اوى (يعنى ايه " احا "؟).

أصابتني الصدمة في بادئ الامر تشبه شحنة كهربائية تغلغلت في اعماقي لكن سرعان ما تمالكت اعصابي راغبا في تعنيفه بشدة وسط تساؤلات في ذهني "كيف يسأل طفل صغير مثل هذا عن هذا الكلام القبيح؟"، "هل وصل بنا الحال إلى ذلك الوضع المتدني؟" لقد انهار المجتمع وانتشر الفساد في البر والبحر، ثم توقفت لحظه عن تفكير واتجهت أفكاري فجأة الى ناحية اخرى لأبادر نفسي بسؤال "هو يعنى ايه احا صحيح ؟!".

كلمه من ثلاثة حروف انتشرت فى الفترة الأخيرة كثيرا  بل اصبحت الكلمة المناسبة لوصف كل موقف يحدث فى حياتنا ، يستخدمها الكثيرون ومعظمهم لا يعرفون معناها ، ظلمها الناس ظناً منهم انها كلمه عيب ، ولكنها فى الحقيقة كلمه عظيمه، تحمل دوافع نفسيه هائلة ومعانى روحيه يعجز اللسان فى بعض الاحيان عن وصفها، فهي تحمى الناس من الانفجار غضبا، دائما ما استخدمت هذه الكلمة لتعبير عن السخط والاعتراض على المواقف مثل ان يموت الناس امام ماسبيرو وتخرج المذيعة تتطالب الناس بالتوجه للتلفزيون لحماية الجيش، فلا يسعك ان تقول سوى احا ، او ان يموت 74 مشجعا فى مباراة وتنتهى القصه بإقالة اتحاد الكورة فوقتها يجب تقول حقا احا ، او ان يموت 1000 مواطن فى الثوره ثم يخرج جميع المتهمين براءه يبقى اكيد سعتها مفيش حاجه تقال غير احا او ان يموت 50 طفل دهسا بالقطار عشان عامل المزلقان كان تعبان فدخل ينام أو أن يموت 3 أو 4 كل يوم فناس تقول الحمدلله مات 3 بس !  يبقى احا و احتين و تلاته ، عموما ليس هذا موضوعنا ولكن هل فكرت يوما، ما معنى هذه الكلمة؟ وهل هي كلمه قبيحه او عيب؟ هل يجب ان نخجل من هذه الكلمة ونعتبرها خادشه؟

بعد بحث مكثف وفضول شخصي للبحث عن المعنى واصله وكيف انتشرت ، الشيء الوحيد الذى تأكدت منه وهو ما دفعني الى كتابة هذا المقال، ان كلمة احا ليست عيب ولا تخدش الحياء بل ربما هي اكثر احتراما من الكلمات العاديه التى نقولها فى اثناء رحله الكفاح اليومية بل هي الكلمة الانسب التى تعبر عن المواطن المطحون الذى عشش الحزن وخيم الفقر والفساد والاهمال في حياته.

من اين جاءت الأحا ؟

لم يعرف احدا متى ظهرت الكلمة بشكلها ومحتوها الجديد بضبط، ولكن بدأت الكلمة الانتشار بين جميع طوائف الشعب منذ انطلاق الألفية الجديدة ، ومن العلامات الدالة على ذلك ظهورها إعلاميا فى كذا حتى وبكذا شكل ، مثل برنامج مدحت شلبى، عندما قالها لاعب كره فى غزل المحلة وهو يحكى قصه حدثت بينه وبين مدربه، وقيلت ايضا فى برنامج البيت بيتك مع محمود سعد عندما قالها احد المتصلين وهو يسرد معاناته مع الشرطة فجأة وسط مجموعة كلمات اخرى ، مما جعل محمود سعد يزعق ويقطع الاتصال، وايضا المشهد الاشهر فى فيلم H دبور لأحمد مكى الذى كانت نقطه انطلاق لتصبح هذه كلمه شهيرة ويزيد استخدمها وتصبح منتشرة بين الجميع وموجوده على الانترنت باستمرار لدرجة ان البعض طالبوا ان يتم وضع كلمة احا بجوار لايك like و الكومنت comment على الفيس بوك لتعبير عن رأيهم بها وفى وقت قصير اصبحت الكلمة طريقه لسخط والتعبير عن الغضب ودخلت فى حياتنا بطرق مختلفة مثل ظهور مجموعة أغاني فيها كلمه "احا" زى " احا الشبشب ضاع احا ده كان بصباع" ، وظهور قصيدة شعر بعنوان "احا يا مصر" وايضا عندما قالها علاء مرسى فى برنامج بيشتغل الناس اسموه "الحكم بعد المزاوله" الذى استفزه المذيع ، فقال له عارف "احا" وكرارها عدة مرات بقوله "عارف احا ولا متعرفهاش".

تاريخ الاحا

رغم عدم وجود معنى واضح لمعنى الكلمة بين الناس وحتى علي الانترنت اللى فوجئت ان ليها معنى على Wikipedia ، اتفق المعظم ان كلمة "احا" هو لفظ عامي يعنى الاعتراض وهى اختصارا ل "انا حقا اعترض" او "ارفض حدوث هذا" ، ويقال ان اصلها فى اللغة العربية جاء من كلمه كان يقولها البدو للمعيز و الخرفان ويشاع ايضا انها مشتقه من الاحاح و الاحاح معنا العطش الشديد، الحزن الشديد.

اما بالنسبة لأصلها وظهرت امتى، فهذا شىء صعب معرفته ، فقيل انها كلمه يونانية دخلت مصر بعد ان بنى الاسكندر الاكبر الإسكندرية وعاش اليونانيون واقاموا الحضارة الإغريقية بها واختلطوا بالمصريين، فاختلطت اللغات وظهرت مجموعة كلمات جديده و تحرفت مع الوقت، فظهرت كلمة احيه التي كانت تعنى الاعتراض والضيق ومع قدوم الروم على مصر وانتشار المسيحية والمعاناة التى قابلها المصريين المؤمنين بالمسيحية فى ذلك الوقت وحالة الكبت التى فرضت عليهم اصبحت هذه الكلمة تستخدم بكثافة ثم تطورت الى احا مع قدومها الى القاهرة.

وهناك رواية اخرى تقول انها ظهرت فى عهد الفاطميين بعد ان صدر فى ذلك الوقت فى عهد "الحاكم بأمر الله" قانون يمنع الناس انها تقول لفظ "احتج"، ومع طبيعة المصريين التى دائما ما تواجه الظلم والاضطهاد بالسخرية والتحوير، قام المصريين بتغير الكلمة و خلوها "احتا" ثم اكتشف الفاطميين الموضوع ، فتطورت الى "احا"، و بعد ذلك تم الغاء القانون ولكن اصبحت الكلمة مشهوره واعتاد عليها الناس.

مع ظهور الكلمة وانتشارها، بدأت تأخذ شكل الكلمة القبيحة التى من العيب ان تقولها فى العلن رغم عدم اساءتها الى احد او وصفها لشيء يرفضه الدين او المجتمع ويقال انها استخدمت فى عهد جمال عبد الناصر بعد ان اعلن عن تنحيه عن حكم مصر بعد نكسة 67، فخرجت مظاهرات تهتف "احا احا لا تتنحى" والمؤكد ان هذه الجملة استخدمت فى ايام مظاهرات الفلول فى ثوره يناير ، ولترجع مبارك عن التنحي.

شكل جديد

بدأت الكلمة تأخذ معانى اخرى للاعتراض وإظهار الغضب بشكل مختلف بعد المصائب التي توالت على البلد بعد رحيل مبارك مثل جملة "احا فى كيس " بمعنى زياده الفساد والقتل و القمع او " عارف احا " عند الاعتراض على كلام اللى قدامك ورغبه فى ان تقوله اخرس او "احتين " بمعنى الاعتراض المضاعف والتي تعنى ان الدنيا خربانه والقرف جاب اخره او "الشيخ احا" التي انتشرت  مع ارتفاع حدة الفتي بين المصريين وخروج بعض الشيوخ ببعض الفتاوي العجيبة، كما بدأ البعض بالتحايل على الكلمة التي رأها البعض شتيمه عن طريق ان يقول "باحا" بدلا من "احا" او ان يقول " أ ش أ " او" A7A " .

فأصبحت الاحا على لسان الكثير بل اصبحت تعبيرا عن الواقع الذي يعيش فيه المصريين ، وحالة الغضب الناتجة من التذبذب و التخبط في المشاعر بل اصبحت علاجا نفسيا للناس لتهدأتهم وبنزين لاستمرار صبرهم الذى ينفذ كل يوم ، فالاحا اصبحت اسلوب حياه ليست كلمه قبيحة يرفضها الناس.

عزيزي القارئ لا اجد شيء اختم به هذا المقال إلا ان اقول جمله مأثوره قرأتها على مقطورة حمراء عليها حذاء لطفل، مربوط فى شكمان " احا واحا...ومش همسحها" .
 


محمود زكي
10-2-2013