Friday, October 19, 2012

ملحمة فى عيون صياد

ملحمة فى عيون صياد

تدور الصورة البديعة كشريط الحياه فى عقل صديقى الصياد ، ففى كل يوم بعد صلاة الفجر الهادئة ومشروب الشاى الخرز ابو "مايه بيضة" يشد الصياد حباله المعقودة ليطلق باخرته الخشبية الصغيرة الذى عاش معها قرابة الخمسين عاما فهى اغلى من اهله ، زوجته ، اطفاله ، فهى شريكه الحقيقى الذى لا يأن ولا يزن.
دائما ما يهرول الصياد مسرعا بعد صلاة الفجر لمركبه تاركا اصدقاءه لم يفهموا يوما لماذا العجلة؟.. لم يكترثوا يوما ليبحثوا عن سره ، ظن بعضهم انه يريد ان يسبقهم لصيد السمك ، وسخر اخرون انه يذهب باحثا عن خاتم سليمان الضائع فى بطن السمكة ، ولكن الحقيقة كانت فى رغبته فى الوصول قبل بدء العرض، لم يكن مطلوبا ان تحجز تذكرة او ان ترتدى بدلة او تجلس  فى صالة او بلكون ، انما كل ما تحتاجه ان تأتى فى الموعد فالعرض لا ينتظر احدا.

العرض بعنوان : بدائع ربانية
الموعد:  شروق الشمس على كرة الارضية
الدعوة : فعامة على جوانب الضفة النيلية

بداية العرض: ضوء قوى بعيد المنال يشبه القبة الضؤية يخترق قواحل الظلام كأنه يقزفه الى بعيد، فتشعر ان الظلام اصابه ثقبا انطلقت منه قوة ضوئية قزفت الظلام بعيدا لتظهر للسادة الحضور بادئة العرض الكونى. مزيكا خافته ، اصواتا تعلو وتخفو تشبة رنين الكمانجات ، راقصات من الامواج النيلية تحتضن ريح راقية ، يرقصون على سيمفونية "جفون الحياه " تزيد الاضواء شمولية تعلو لافاق لا نهائية ، تمتلىء الساحة بالبهجة و إذا فجأة تظهر سيدة افريقية ملامحها قمحية عجوز فى شبابها وعلى جبهتها عراقة خالدة ونظرة روحية تكسوها فستانا برتقاليا مضيىء يزينه الوان قوس قزح السباعية.
 تجرى اشعة الشمس الصغيرة للتسابق نفسها يتمازجون مع عذوبة المياه لتصنع صورة ربانية اجتمع فيها راسمى العالم كلن بريشته يرسم ما يشعر به ، وفجأة تظهر فاتنات على اليمين وعلى اليسار، يتمايلون ، يضحكون، يرقصون، ويغنون حاملين ثمارهم واوراقهم الخضراء مزينون بأزهارا بديعة والوانا تعكس اضواء شمسية ، تخترق الارض لترسل اشعتها لكل كائن , ترمى بالخير على الجميع ، تهفو بالبهجة بين ارواق الشجر ، و ترتفع الالحان البديعة و يزيد الامواج تمايلا وتنطلق الطيور فى السماء مرحبة بالخير العظيم وفى " كوبليه" رائع تتمازج الاشعة مع الارض وتخترق المياه لتحتضنها بقوة تعكس الزهور رونقها الرائع، فتظهر الملحمة الصامدة الذى يكون بطلها نهر النيل الخالد الذى شق طريقه من مجهول افريقيا مخترقا غاباتها وصحراءها  وضبابها زاحفا لنهاية متجها للحضارة باحثا عن شعوبا طيبه ترعاه وعن خير قادم يبحث عن مستحقيه.
وفى ذروة الملحمة وارتفاع الاصوات الملحنة ،تنقطع الاضواء ويهب الصمت الرهيب ، تمتلىء الرياح بالعواصف والزعابيب ، سكون عام للمكان كأن الحياه قد انقضيت , فختفت الشمس حزينة وبكت السماء واختبأت الزهور وعاد النيل ليسير صامتا فى مجراه.
يقف الصياد مصدوما عاجزا لا يترك ذهنه سوى حديثا واحد "عجبا لك ايها الانسان! "  ثم يرفع رأسه الى سماء باسطا كفيه قائلا : اللهمَّ إني أسألك نفساً مطمئنةً تؤمن بلقائك وترضى بقضائك وتقنع بعطائك.

محمود زكى
19 -10 - 2012